المادة    
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
فما زلنا في مبحث موانع إنفاذ الوعيد، وكنا قد تعرضنا لمانع المصائب المكفرة، وأخذنا مقدمة في ذلك، ونستعرض هنا لما ذكره الشارح رحمه الله من الآية المتعلقة بالموضوع وتفسيرها، وما عقب به في الفرق بين المصائب التي يؤجر عليها وبين تكفير الذنوب بها.
قال المصنف رحمه الله تعالى: (السبب الرابع: المصائب الدنيوية، قال صلى الله عليه وسلم: ( ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا غم ولا هم ولا حزن حتى الشوكة يشاكها؛ إلا كفر بها من خطاياه )، وفي المسند : ( أنه لما نزل قوله تعالى: (( مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ ))[النساء:123] قال أبو بكر : يا رسول الله! نزلت قاصمة الظهر، وأينا لم يعمل سوءاً؟! فقال: يا أبا بكر ! ألست تنصب؟! ألست تحزن؟! ألست يصيبك اللأواء؟! فذلك ما تجزون به )، فالمصائب نفسها مكفرة، وبالصبر عليها يثاب العبد، وبالسخط يأثم.
فالصبر والسخط أمر آخر غير المصيبة، فالمصيبة من فعل الله لا من فعل العبد، وهي جزاء من الله للعبد على ذنبه، ويكفر ذنبه بها، وإنما يثاب المرء ويأثم على فعله، والصبر والسخط من فعله، وإن كان الأجر قد يحصل بغير عمل من العبد، بل هدية من الغير، أو فضلاً من الله من غير سبب، قال تعالى: (( وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْرًا عَظِيمًا ))[النساء:40]، فنفس المرض جزاء وكفارة لما تقدم، وكثيراً ما يفهم من الأجر غفران الذنوب، وليس ذلك مدلوله، وإنما يكون من لازمة).
قد سبق ذكر النص، وهذه الآية الكريمة هي في مجموع آيات كريمات من سورة النساء، في قوله تبارك وتعالى: (( لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا * وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا * وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا ))[النساء:123-125].
فهذه الآيات الكريمات من سورة النساء جدير بنا أن نقف عندها وأن نتأمل ما جاء فيها بالإضافة إلى ما ذكره الشارح رحمه الله، فقد ورد فيها آثار وأحاديث عظيمة جداً يجب علينا أن نأخذ منها درساً تربوياً عظيماً من دروس التزكية الإيمانية للنفس وللإنسان ولهذه القلوب التي تقرأ القرآن كما كان يقرؤه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، ولكن لم تأخذه كما كانوا يأخذونه، ولم تشرب حقائقه ومعانيه ومدلولاته، ولم تتدبره وتتفكر فيه وتستشعر ما وراء هذه الأحرف التي تقرأ، كما كان ذلك الجيل يفعل.
وهذا هو الفرق الكبير بيننا وبينهم، فكم منا من قرأ هذه الآية مراراً وتكراراً وسمعها، ولكن هل أحدثت في أنفسنا من الأثر مثل ما أحدثت في قلوب الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم، وعلى رأسهم أفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم، وهو الصديق أبو بكر رضي الله عنه؟!
فكيف فسرها العلماء؟ وكيف كان وقعها على أبي بكر رضي الله تعالى عنه، ثم على عمر رضي الله تعالى عنه -كما جاء في رواية أخرى- وعلى بقية الصحابة من الجيل الأول الذين تدبروا كتاب الله وفقهوا معانيه ووقفوا عند عجائبه وأسراره فأمد قلوبهم بتلك الطاقات الإيمانية التي تجاوزت حدود الزمان والمكان؟! حتى إننا ما زلنا في هذا الزمن نقرأ تلك السير الزكية العطرة فنحس ونشعر بأن الإيمان يدخل في قلوبنا. ‏
  1. ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: (ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب)

  2. حال الصحابة الكرام عند نزول قوله تعالى: (من يعمل سوءاً يجز به)

  3. ذكر بعض الآثار المروية في تفسير الصحابة لقوله تعالى: (من يعمل سوءاً يجز به)